إشكالية الدولة المدنية والنظام!
الدولة المدنية، هو المصطلح التعويضي للدولة العلمانية، بعد أن أساءت إلى سمعته تيارات الإسلام السياسي الموالسة، هو في الحقيقة مصطلح فارغ المعني يتيح مساحة ليست بالقليلة من التلاعب ،والقفز على مفهوم ومضمون "الدولة الحديثة", التي يجب أن تقوم على الدستور الذي وضعه المواطنون، والقانون الذي يحققه، والذي ينظم الحياة وتفاصيلها ،ويعود عليهم بتحقيق مصالحهم العادلة دون أي تفرقة أو استثناء.
اذن فالأصل أن الدستور والقانون هما صناعة بشرية وضعها المواطنون لتجسد القيم الرفيعة للمواطنة ،والديمقراطية، والحرية والتنوع الفكري.
هذه الدولة الحديثة سواء أسميناها مدنية أو علمانية هي الملجأ الطبيعي لتجنب الوقوع في براثن الدولة الدينية ،والدولة العسكرية، وكلاهما دولة تناهض الديمقراطية، ولا تعبأ إلا باحتكار السلطة والثروة ترفض الاختلاف وتبغض الدستور والقانون.
عندما تختلط المفاهيم وتلتبس الحدود بينها نري الحالة المصرية، ولا نجد لها تعريفا واضحا، حيث نري التداخل غير المبرر بين الدين والسياسة، فلا هي دولة دينية ولا هي دولة مدنية، بل خليط غير مفهوم يبتعد بنا عن مقتضيات الدولة الحديثة.
عندما يصر الدستور على أن مصر دولة مدنية وأن دينها الإسلام،والشريعة الإسلامية مصدرها الرئيسي للتشريع.. إذن فنحن أمام دولة دينية لا تجدي معها أي نصوص أخري في الدستور تتحدث عن الحرية والديمقراطية والمواطنة مهما كثرت.
عندما يصرّ النظام على التواجد في الفعاليات الدينية سواء إسلامية،أو مسيحية، وعندما يسمح النظام بالتواجد المكثف والقوي للمؤسسات الدينية، ويسمح بقيام أحزاب دينية، هذا إعتراف من الدولة بالبعد الديني للحكم، الذي يقودنا إلى مبدأ قديم هو "الملك بالدين يبقي، والدين بالملك يقوي", وهو ما لا علاقة له بالدولة المدنية الحديثة بل هو أن لم يكن تكريسا لنظام الحكم السلطوي فهو في أفضل حالات حسن النية تخبطا وجهلا بمقتضيات الدولة الحديثة كما أسلفت.
عندما نعاني من الفكر المتطرف، ولا نتخذ إجراءات حاسمة للقضاء عليه، ونتركه يتوغل على أيدي التيار السلفي، ثم نعهد إلى الأزهر بما يدعي تجديد الفكر الديني وهو المؤسسة الراعية لهذا الفكر أصلا، فنحن أبعد ما يكون عن الدولة المدنية الحديثة التي تتوجب فصل الدين تماما عن السياسة وأمور الحكم كشرط أول لقيامها.
عدم حسم قضية الدين والحكم يبقينا في حالة ميوعة سياسية، ويمنع التشكل الطبيعي لأركان الدولة، ويتسبب في استمرار الحالة الاستثنائية بإجراءاتها سيئة السمعة، وأكثر من ذلك لا يسمح بتشكيل الوعي السياسي للأمة الذي يدعم الحكم أو يعارضه من منطلقات حقيقية، وهو القادر على تصحيح المسار والانطلاق في طريق التنمية، والتقدم دون معوقات فكرية وعقائدية مثبطة للهمم.