الفكر الراصد أخطر أدوات الحروب
نحن اليوم في خضم أشد مواجهات الفكر الإستراتيجي ضراوة وشراسة، فالفكر الراصد لمتغيرات وخطوات فكر العدو هو أصعب مراحل الحرب، حيث تتخذ القرارت بناء على رصد ومتابعة خطواته وما سيبنى عليها، وفي حال التعجل بقراءة خاطئة يتبعها قرار متعجل ليس في مكانه، تكون النتائج كارثية على جميع الأطراف .. نعم فلم تعد الحروب تعتمد على منهجها التقليدي القديم، بتحديد الهدف والدخول في معارك وحروب مباشرة بقرارات متعجلة، تحصد فيها أرواح الجنود، وتستنفذ فيها الذخائر والطاقة، ومليارات الدولارات بكل ثانية، نعلم جيدا أن هناك أجيال مختلفة من الحروب .. لكن للأسف هناك كثيرون يقرأون ويسمعون ويرددون لكنهم لا يستوعبون !!، فهم لا يطبقون ما يحدث على أرض الواقع مع المفهوم الذي يتحدثون عنه .. كيف !؟ .
فمنذ بدايات أحداث غزة ل(٧ أكتوبر) حتى الآن لم تتأخر مصر في دعم ومساندة القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني بمؤازرة مستمرة، بل منذ أكثر من سبعين عاما، فقد تبنت القضية الفلسطينية بجميع المحافل الاقليمية والدولية، من خلال دعم شامل سواء كان بالروح أو بالدم، معنويا كان أو سياسيا وعسكريا ومجتمعيا وتعليميا أو مادي ومعنوي، واستضافة في أحضان مصر بكل الحب والإخاء .. وغيره الكثير، أما عن خوض الحروب من أجل الشعب الفلسطيني الشقيق، فالجميع يشهد على ما بذله شعب مصر وجيشها الباسل من روح ودم وتضحيات بالرغم مما تعانيه مصر من أزمات ، وعلى هذا علينا إلقاء نظرة شاملة سريعة، لنرى ما حدث من تداعيات كارثية ومآسي مروعة، قضت على دول وجيوش وحكام وتاريخ عميق بالمنطقة العربية، حيث أصبحت اليوم في أوضاع متردية مأساوية تحتاج لإعادة إعمار لمدة عقود، بعدما تم نهب ثرواتها وخيراتها وتم تشتيت شعوبها .. هذا هو لسان حالنا اليوم.
لقد تم غزو هذه الدول الشقيقة من خلال التلاعب بعواطف وأفكار شعوبها بواسطة - الإعلام الشيطاني للانترنت، واللجان الاليكترونية (السلاح الشيطاني المتعاظم) الذي يبث سمه في وجدان الشعوب فيقسمها، ويكثر الجدل وينشر عدم الثقة بين الشعوب وقيادتها وحكامها، أيضا الضغوط الاقتصادية المتزايدة ليتم فرض القوى الأجنبية وإخضاع شعوب الدول المراد إختراقها، بإسقاط أنظمتها لتصبح كالدمى الخرساء المتحركة في يد العدو المغتصب، أيضا نشر مخالب داخليا للعب بالأسعار واستحضار روح الخراب والفساد داخل المجتمعات .. وغير ذلك الكثير .
ما أود توضيحه هنا بكل صدق وشفافية لكل من "يشيع" أن مصرنا اليوم لا تحارب، ولا تساند ما يحدث بغزة أو للشعب الفلسطيني، أقول له افتح عيونك وافهم الموقف تماما واعلم أن مصر لا يمكن أن تتخلى عن مساندة القضية الفلسطينية، رفم واحد لصلة التاريخ والدم بين الشعبين، ثانيا لأنها امتداد لأمننا القومي ، ثالثا لأن مصر أول دولة تحركت في الحال، وقامت بعمل مؤتمر دولي على أرضها استنكارا لما حدث من تداعيات (بعد أحداث طوفان الأقصي) ، ومنذ ذلك الحين، ومصر في مواجهات مصيرية مع قوى الشر من خلال حرب ضروس، ومحاولات من الدول الداعمة للكيان لتدميرنا اقتصاديا داخليا وخارجيا، فلا يخفى ما يحدث من تصدى عقلاني بمواجهة ما نعانيه من إرهاب فكري وتهديدات صريحة على حدودنا، واستقبال النازحين من السودان وليبيا واليمن وسوريا، والآن الجرحى من الشعب الفلسطيني الشقيق للعلاج بمستشفيات مصر .. يا سادة أليست هذه أسلحة وأدوات حروب الأجيال الجديدة .. ألا نعتبر ما يحدث من تحالفات ضد مصر في مشاريع اقتصادية وتوجهات سياسية مختلفة، أداة من أدوات الحروب .
إن مصر داخل حرب فكر ومخططات كبيرة، وهي في مواجهة عقول تدبر (مجتمعة) لخراب مصر من الداخل عن طريق نشر التشكيك بين شرائح فاقدة للفكر والوعي اليقظ لما يحدث بالعقود الأخيرة، إن إدارة المعارك والحروب بحكمة وفكر رشيد، من أهم الأدوات التى جعلتنا إلى هذه اللحظة في تماسك وصلابة حتى ننفع أنفسنا وغيرنا .. فلا نتناسى المحاولات المستميتة لاستدراج قواتنا المسلحة داخل حروب كان من الممكن أن تستنفذ قوانا لتضعف جيش مصر صاحب الترتيب المتقدم عالميا .. نرى اللجان الاليكترونية منذ سنوات تطالب مصر بدخول حرب مع أثيوبيا، ثم اختلاق استفزازات على الحدود المصرية الليبية، ثم ما يحدث بغزة، ثم السودان والبحر الأحمر والحوثيين ما بين حروب تجويع وتعطيش وإبادة عرقية بكل صلف وبلا عقل .. كل هذا ونحن بجانب شعب غزة وغيره .. لم نتراجع أبدا عن دورنا التاريخي لسبب بسيط وهو اننا جميعا (جسدا واحدا).
أيها القاريء العزيز .. إنها معركة تخطيط وفكر متأني وحسابات، ومعطيات لا أملكها انا أو أنت، ولكنها في يد قيادتنا .. وكما أن من واجبنا رصد الأحداث وقراءتها قراءة واعية بفكر مستنير ، علينا أيضا أن نثق بحكمة القيادة المصرية القادرة على الحفاظ على أمن مصر في ظل هذه الحرب الضروس (حرب المواجهة بالفكر والتصدي لمخططات حقيرة، حولت المنطقة العربية لمستنقع ملىء بالفتن والمؤامرات والتشكيك)، إن لم نفهم قيمة وكيفية ما أعطيناه على مر العصور، وما نعطيه اليوم وبفكر ناضج دون التأثر بما يقذف أمامك من مغالطات وأكاذبب "فلا نلومن سوى أنفسنا" .. تحيا مصر عظيمة دائما يدا واحد ، على قلب رجل واحد، وجيش مصري باسل مغوار، منبثق من رحم هذا الشعب المارد الأصيل قاهر أعداء الإنسانية.