بوابة الموجز اليوم

إبراهيم شعبان يكتب: هل يمكن إستبدال الدعم العينى بالنقدى فى كل السلع والخدمات؟

إبراهيم شعبان
إبراهيم شعبان

لا يمكن لأي متابع للشأن العام، أن ينكر أو يتجاهل حقيقية التحديات التي تمر بها الدولة المصرية، ومحاولتها واستمرارها في العمل على تحسين حياة المصريين بحياة كريمة، وجمهورية جديدة واعدة تحت قيادة الرئيس السيسي.
ولا يمكن لأحد، أن يتجاهل آثار الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط علينا، والتخوف لما هو قادم في ظل استمرار حالة التوتر على جبهتي غزة ولبنان، وكلنا لا يزال يتذكر بعض الحقائق والأرقام التي ذكرها رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي، عندما خرج ليكشف أن قناة السويس، تخسر شهريا 550 مليون دولار من إيراداتها أي بما يعادل قرابة 5 مليار جنيه مصري شهريا، أي 60 مليار جنيه في العام الواحد، بسبب التوترات في البحر الأحمر.
هذه وغيرها تذكرتها، وأنا أتابع حديث مكثف عبر وسائل الإعلام، خلال الفترة الأخيرة ومن خلال مجلس أمناء الحوار الوطني، عن قراره بمناقشة قضية الدعم على نطاق واسع خلال الفترة المقبلة، وما صدر في بيانه بأن ذلك سيكون بحيادية تامة، ودون تحديد نتائج مسبقة وأن الهدف الأساسي هو ضمان وصول الدعم أي كان شكله لمستحقيه، معلنا مشاركة جميع المعنيين من خبراء ومتخصصين وجهات سياسية، ومؤسسات تنفيذية ومجتمعية في الحوار بخصوص الدعم.
وبادي ذي بدء، فإن قضية الدعم وفاتورته المتضخمة كل عام، هى قضية تشغل بال كل الحكومات المصرية منذ سبعينيات القرن الماضي، وعقب خروج مصر من آتون الحرب والاتجاه للسلام ومشاريع التنمية بعد معاهدة السلام، والأسباب في ذلك لا تحتاج إلى متخصص او خبير فالفاتورة التي تتحملها الدولة في قيمة الدعم مرتفعة للغاية وتصل إلى نحو 636 مليار جنيه وفق رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي وتزيد سنويا.
وقد أصبحت فاتورة الدعم مرهقة، بعد قرارات مارس 2024 بتحرير سعر الصرف، واتباع آلية صرف مرن للقضاء على السوق السوداء للدولار، وهو ما أدى الى رفع سعر الدولار مقابل الجنيه من 15.5 عام 2022 إلى 48.9 جنيه اليوم.
والحاصل في قضية الدعم العيني والرغبة في استبداله بالدعم النقدي يثير أسئلة عدة منها:-
-هل يرتبط القرار أو ترتبط الرؤية به، باستبدال الدعم العيني بالنقدي، في كافة السلع والخدمات بدءا من رغيف الخبز والكهرباء وسعر المياه وأنبوبة البوتاجاز، وكافة وسائل المواصلات وسعر الوقود سولار وبنزين وغيرهما، وانتهاءً ببطاقة التموين؟ أم يتم استبدال الدعم العيني بالنقدي في بطاقات التموين وبعض السلع الأخرى فقط؟
-هل يمكن للمواطن المصري في الظروف الحالية ان يتحمل استبدال الدعم العيني بالنقدي دفعة واحدة، ومع استمرار ارتفاع نسبة التضخم حتى اللحظة، الى نحو 26.2% وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
-الحقيقة أن قضية الدعم شائكة ولا يمكن الانفراد بها برأي قاطع مانع، دون مشاركة كل الخبراء والمختصين ومناقشة الإيجابيات والسلبيات لقرار استبدال الدعم العيني بالنقدي وحجمه والسلع والخدمات التي سيشملها، مع الأخذ في الاعتبار العديد من الحقائق منها:-
-حساب السلة الغذائية للمواطن المصري، أي ما يستهلكه من طعام وبروتينات على مستوى الشهر في الحد الأدني له، وبالأسعار الموجودة حاليا في السوق وحساب مصاريف الأسرة المصرية من 4-5 أفراد، في التعليم وإيجار السكن والصحة والدواء وغيرها من مستلزمات الحياة الأساسية.
-الأخذ في الاعتبار مدى قدرة المواطن المصري على التجاوب مع قرار استبدال الدعم العيني بالنقدي، وهل يكون مبلغ الدعم النقدي المقترح كافيا بالفعل، لملاحقة أسعار الخدمات والسلع، حال رفع الدعم عنها نهائيا.
-ولا زلت أذكر كلام رئيس الوزراء قبل عدة أيام، بعد زيادة سعر إسطوانة البوتاجاز من 100 الى 150 جنيه ، ومن 150 إلى 200 جنيه للاستخدام التجاري بسعر المصنع، وتأكيده أن تكلفة الاسطوانة الواحدة علي الدولة تصل إلى 340 جنيها، وكانت تُباع بسعر100 جنيه، بواقع 240 جنيها دعما لأسطوانة البوتاجاز الواحدة من قبل الدولة، وبما يعادل أكثر من 60 مليار جنيه سنوياً دعما لاسطوانات الغاز، وبالطبع وبعد رفع سعرها من 100 الى 150 جنيه، أصبحت مدعومة بنحو 190 جنيه من جانب الدولة، والسؤال هل يمكن تحمل رفع سعر أنبوية البوتاجاز حال رفع الدعم العيني عنها الى 340 جنيه؟
-الأخذ في الاعتبار حساب الحد الأدنى للأجور حاليا وهو نحو 6 آلاف جنيه، وعما اذا كان بإمكانه ان يتحمل مع مبلغ نقدي أخر حال إقرار الدعم شراء كل السلع والتعامل مع كل الخدمات بأسعارها الحقيقة، والأخذ في الحسبان كذلك، مدى قدرة الفئة التي لا تعمل في الجهاز الإداري للدولة والموجودة في القطاع الخاص أو قطاع الأعمال الحرة.
-الحقيقة وأكرر، أنها قضية صعبة للغاية وشائكة وأمن قومي من العيار الأول وتحدي اقتصادي لدولة يزيد عدد سكانها عن 110 مليون مواطن، وتريد النهوض وتأسيس جمهورية جديدة ولديها التزامات داخلية وخارجية ومشاريع واعدة، وتعيش حالة فريدة من الاستقرار وسط جو إقليمي مشتعل وهو ما يحسب لقيادتها طوال 10 سنوات ماضية وحتى اللحظة.
-أن هناك 71 مليون مواطن يستفيدون حاليا وفق الأرقام الرسمية من منظومة دعم الخبز، ونحو 61 مليونا يستفيدون من منظومة دعم السلع التموينية، وبديهي أن من يصرفون الخبز والسلع التموينية وينتظرونهم، ليسوا من الأغنياء ولكنهم أبناء الطبقتين المتوسطة والفقيرة في مصر، فهل يمكن لهؤلاء ان يكون الدعم النقدي مفيدا لهم ويكفي احتياجاتهم الفعلية من الخبز والسلع التموينية؟ وهل الدعم النقدي سيكون عند حد الخبز والسلع التموينية أم يتعداه إلى كل السلع والخدمات كاملة.
-القضية صعبة كذلك على الدولة، التي تجاهد من أجل تحسين معيشة أبنائها وتتحمل فاتورة ضخمة، عندما نعلم مثلا ان دعم الوقود في الموازنة الجديدة 2024/ 2025، يبلغ 154 مليار جنيه، وأنه وعلى سبيل المثال فتكلفة لتر السولار بـ 20 جنيه والدولة سعرته بـ 11.5 جنيها بعد الزيادة الأخيرة، أي لا يزال مدعما أيضا بمبلغ كبير من جانب الدولة.
-حسنا فعل مجلس أمناء الحوار الوطني بفتح باب النقاش في قضية الدعم ودون تبني نتائج مسبقة.
والنهاية.. ورأيي الشخصي، أن الأفضل هو استمرار الدعم العيني والانحياز للمواطن المصري خلال هذه المرحلة، وفي حال الاضطرار، يمكن تحريك الدعم قليلا عن هذه السلعة أو ذاك كما يحدث في الوقود أو في الخبز لكن استبداله مرة واحدة، ولنحو ما يزيد عن 61 مليون مواطن في بطاقة التموين، فإن مبلغ الدعم النقدي سيكون كبيرا لكل فرد، ومع أي تحريك مستقبلي وارد في سعر الصرف، فإن هذا الدعم النقدي لن يكفي المتطلبات الأساسية.
كما أننا نراهن على قدرة الاقتصاد المصري، ومن خلال الاستثمارات الأجنبية الضخمة المباشرة، التي بدأت تتدفق عليه عبر مشاريع عملاقة في رأس الحكمة والعلمين الجديدة ومشاريع أخرى منتظرة على ساحل البحر الأحمر، أن يتجاوز هذه المرحلة الصعبة ولا يكون هناك أي اضطرار من جانب الحكومة لاستمرار رفع الدعم، ومع زيادة ايرادات السياحة المصرية ايضا.
ولنعلم أن قضية الدعم قضية أمن قومي، وقضية وطنية من العيار الثقيل، ولابد من التمهل في كل ما يخص قراراتها.