الدكتور محمد المقري يكتب: تجربة الهند في مجال التعاون الطبي بين القطاع الأكاديمي والصناعي نحو نموذج لبناء القدرات الوطنية
تعد تجربة الهند في مجال التعاون الطبي بين القطاع الأكاديمي والصناعي نموذجًا رائدًا يمكن أن يُحتذى به في بناء القدرات الوطنية في مجالات البحث والتطوير، وتعزيز الابتكار في القطاع الصحي.
على مدار العقود الماضية، عملت الهند على تطوير هذا النموذج الذي يعتمد على شراكات قوية بين الجامعات والمراكز البحثية من جهة، والشركات الصناعية والمصانع الكبرى من جهة أخرى.
يهدف هذا التعاون إلى تسريع الابتكار في مجال الرعاية الصحية، وتطوير تقنيات طبية متقدمة، وزيادة القدرة التنافسية للصناعات الصحية الهندية على مستوى العالم.
1- التعاون بين الجامعات والمراكز البحثية والصناعة
في الهند، تم إنشاء العديد من الشراكات بين المؤسسات الأكاديمية مثل الجامعات الهندية المرموقة (مثل جامعة "الهند للتكنولوجيا"، جامعة "جواهرلال نهرو" وغيرها) والشركات الصناعية الكبرى في قطاع الأدوية والمعدات الطبية.
تمثل هذه الشراكات بنية أساسية لنقل المعرفة من البيئة الأكاديمية إلى القطاع الصناعي، مع تسريع عملية الابتكار من خلال التعاون بين الباحثين في الجامعات والمتخصصين في الصناعة.
أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو التعاون بين معهد "الهند للتكنولوجيا" في مومباي، وبعض شركات التكنولوجيا الحيوية الهندية الكبرى مثل "بيونير" و"سيروم"، حيث يتم تطوير لقاحات وأدوية مبتكرة، تتضمن هذه الشراكات أيضًا تمويل الأبحاث المشتركة، والتدريب الأكاديمي للمهنيين في المجال الصناعي.
2- دعم الابتكار في قطاع الأدوية
الهند تعد واحدة من أكبر منتجي الأدوية في العالم، ولديها قدرة كبيرة على تقديم أدوية بأسعار معقولة للسوق العالمية.
التعاون بين القطاع الأكاديمي والصناعي قد أسهم في تحقيق هذا النجاح من خلال دعم الابتكار في صناعة الأدوية.
المؤسسات الأكاديمية الهندية توفر بيئة مثالية للبحث الأساسي، بينما تلعب الشركات الصناعية دورًا حيويًا في تحويل هذه الأبحاث إلى منتجات طبية قابلة للتسويق.
مثال آخر على ذلك هو التعاون بين معاهد البحوث الهندية وشركات الأدوية الكبرى مثل "سانوفي"، حيث يجري تطوير أدوية جديدة لمكافحة الأمراض المعدية والسرطان.
3- دور الحكومة في تعزيز التعاون
تلعب الحكومة الهندية دورًا محوريًا في تشجيع هذا التعاون من خلال تقديم الحوافز المالية والتشريعات التي تسهل الشراكات بين المؤسسات الأكاديمية والصناعية.
وقد قامت الحكومة الهندية بإنشاء مبادرات مثل "برنامج الابتكار في التكنولوجيا الصحية" الذي يهدف إلى ربط الباحثين في الجامعات مع الشركات الناشئة في قطاع الصحة، بالإضافة إلى دعم تطوير التكنولوجيا الصحية المحلية.
كما أن الهند أطلقت العديد من حوافز البحث والتطوير التي تشمل تمويل المشاريع البحثية المشتركة، وتحفيز الاستثمار في الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تركز على تطوير تقنيات طبية مبتكرة.
4- المشاركة في تطوير الكادر الطبي والقوى العاملة الصحية
من خلال هذا التعاون، أصبحت الهند مركزًا لتطوير المهارات في مجال الرعاية الصحية. إذا تُسهم الجامعات الهندية في تدريب الأطباء والباحثين والعاملين في مجال التكنولوجيا الطبية، بينما تعمل الشركات الصناعية على توفير برامج تدريب مهنية تتيح للطلاب تطبيق معارفهم الأكاديمية في بيئات العمل الحقيقية.
على سبيل المثال، تعمل بعض الجامعات الهندية على توفير برامج دراسات متقدمة في مجالات مثل الهندسة الطبية الحيوية، والتي تشهد إقبالًا متزايدًا من الطلاب، بينما تسهم الشركات الصناعية في تقديم فرص التدريب والتوظيف لهؤلاء الخريجين.
5- أثر التعاون على صحة المجتمع
من خلال هذا التعاون الفعال بين القطاع الأكاديمي والصناعي، تمكنت الهند من توفير حلول طبية مبتكرة لأعداد كبيرة من السكان، ليس فقط في الهند ولكن في جميع أنحاء العالم.
وتعتبر الهند من أكبر مصدري الأدوية العالمية، حيث تُصدر الأدوية والمستحضرات الطبية إلى أكثر من 150 دولة، بالإضافة إلى ذلك، تساعد هذه التعاونات في تقديم حلول صحية للمشاكل الصحية الكبرى مثل الأمراض المعدية، السرطان، وأمراض القلب.
6- نموذج بناء القدرات الوطنية
بفضل هذا التعاون، تمكنت الهند من بناء قدرات وطنية قوية في مجال البحث الطبي والصناعي وهذا النموذج يمكن تطبيقه في دول أخرى تسعى لتطوير قطاعها الصحي، من خلال:
* تعزيز التعليم والتدريب:
توفير برامج أكاديمية تُركز على تطوير مهارات البحث والتطوير في القطاع الطبي.
* تشجيع الابتكار المحلي:
تحفيز الشركات الناشئة في المجال الطبي والصحي على تطوير تقنيات وأدوية جديدة.
* التعاون الدولي:
مشاركة الهند في شراكات دولية تساعد في تعزيز الوصول إلى الأسواق العالمية وتبادل المعرفة.
*الخلاصة :
تعتبر الهند مثالًا حيًا على كيفية نجاح التعاون بين القطاع الأكاديمي والصناعي في بناء القدرات الوطنية في مجال الرعاية الصحية. من خلال هذا النموذج، يتم دعم الابتكار في الأدوية والمعدات الطبية، وتطوير القوى العاملة الصحية، وتعزيز قدرة البلد على مواجهة التحديات الصحية العالمية.