قراءة للكاتبة سميحة المناسترلى.. فى كتاب ” الثقافة الفريضة الغائبة ” للدكتور أسامة أبو طالب الجزء الثالث
صدر كتاب "الثقافة الفريضة الغائبة" للكاتب والمفكر المصري الكبير د. أسامة أبو طالب بتاريخ ١ يناير ٢٠٢١، عن دار نشر "إشراقة" للنشر والتوزيع، والذى جاء في 228 صفحة، ويتضمن الكتاب (15 عنواناَ) بعد المقدمة، تناولنا بالجزء الأول والثاني قراءة في العنوان الأول "حديث حميم مع القارئ" والذي تطرق فيه الكاتب إلى مفهوم الثقافة، وارتباطها بالتركيبة الإنسانية، وبالتالى بالتحضر والرقي المجتمعي.
أما الجزء الثاني فكان قراءة لعنوان" مصر الحاضنة" هذا العنوان العميق ،الذى تأكد عمق معناه وقوته من خلال وصف الكاتب للتركيبة المصرية المتفردة من أرضها الطيبة، لشخصية المصري الأصيل المضياف، الذي يحتضن ثقافات العالم مؤثراً فيها بالإيجاب، فكانت احتضان مصر للرسل والديانات المختلفة، ولكل لاجئ أو هارب من ظلم واستبداد، محتضنة للفنون والإبداع والإستثمارات وغيره من جنسيات مختلفة، سواء عربية كانت أم أجنبية بلا تفرقة، دون تخلى المصري عن ثقافته وجذوره وهويته، حتى إذا كان القادم مستعمراً فإن المصري يظل صامداً، إلى أن يقتنص موعد لفظه بلا رجعة من فوق أرضه .
أما الجزء الثالث هو قراءة في عنوان "فريضة الثقافة الغائبة"، والتى عرفها الكاتب هنا ب (غياب صفة التحضر عن الثقافة التى نعرفها ) وأرجع هذا إلى اختفاء قيمة المفهوم نفسه، وتراجع تجلياته ليحل محله بالتدريج المكثف الضاغط، المفاهيم السلبية التافهة المناهضة لأى تحضر سلوكي أو رقي أخلاقي، أو نشر للمعرفة والوعي الحقيقيان، بل هناك الأسوء مثل انتشار الفوضى، وتوغل الحقد والعنف، البذاءة وعدم التسامح بين أفراد المجتمع الواحد أو الأسرة الواحدة و ما إلى ذلك، مما يؤكد حدوث إحلال وتبديل لسمات الثقافة والتحضر السلوكي الذى عُرف به مجتمعنا، وميز شعبنا على مر العصور عن باقي الشعوب والمجتمعات الأخرى .
هنا كان تفسير الكاتب لهذا التحول الكبير في سمات الثقافة الأصيلة عميقة الجذور، إلى مرور المجتمع بفترة عصيبة أدت إلى ( تخمر وتعفن ) فكر ووجدان جيل كامل عانى وأحيط بالفساد – استكمالاً – لعقود سابقة لذلك الجيل، اقترنت أيضاَ بسياسة انفتاح استهلاكي، وزواج السلطة بالثروات، استبعاد أهل الخبرة لصالح أهل الثقة وانتشار المحسوبية وما إلى ذلك، مما أدى أولاً إلى هزيمة 1967م بالرغم من تمتع مصر بزخم ثقافي وفكري وإبداعي متحضر موروث من قبل قيام ثورة 23 يولية 1952م، على سبيل الذكر مثل د. طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ وفتحي غانم وتوفيق الحكيم، وغيرهم ممن أثروا الوجدان المصري والعربي، ثم تكريس نصر أكتوبر 1973م لصالح اقامة دولة انفتاح والتخديم عليها بمراحل متتالية، مما أدى إلى وصولنا لجيل كامل من الفساد والتجريف المادي والثقافي والمعنوي، تلك الضغوط خلقت المناخ المناسب في الخامس والعشرين من يناير للتحرك بصحوة لإنقاذ المجتمع بل الدولة من السقوط، لكن ما حدث كان نتيجته تشويه ومسخ للوضع الثقافي المصري، واختراق "ثلل من المدعين" داخل نخبه وكياناته التى تمتلك الخبرات، والأدوات المنوط بها أن تتحمل مسئولية النهوض، واسترجاع مكانة مصر الثقافية المتحضرة المعهودة، فإذا بها تكتظ بالمدعين والفسدة .
وهنا يسترسل الكاتب: حيث لابد لأى أمة من وجود مشروعها القومي الجامع لطاقاتها وكافة عناصرها لتقوم بحمايتها على - كافة المستويات- من التخبط والدخول "بالتيه" في اللحظات الحرجة .. !!، طرح الكاتب العديد من الأسئلة بنهاية هذا الفصل أهمها أين دور المثقف ؟! ، أين دور المسرح من معالجة العنف والفساد والإرهاب والقضايا المجتمعية ؟! ، ماذا حدث بمشروع محو الأمية ؟ أين الدور الحقيقي للمؤسسات الثقافية والفنية !؟ ماذا نفعل لتحقيق صحوة الضمائر والسلوك المصري المتحضر القديم؟! ، في نهاية هذا العنوان طالب الكاتب الشعب المصري والعربي بصحوة ثقافية آنية عاجلة .
تحياتي ولقاء قادم مع قراءة للجزء الرابع، بكتاب "الثقافة الفريضة الغائبة" للكاتب المفكر الكبير د. أسامة أبو طالب .