بوابة الموجز اليوم

عبد الرحمن طاحون يكتب: الدبلوماسية الصينية فى ثوبها الجديد

عبد الرحمن طاحون
عبد الرحمن طاحون

يلحظ القارئ العادي قبل المحلل المتخصص أن الدور الذى تلعبه الدبلوماسية الصينية في العقد الأخير أو لنقل منذ إندلاع ثورات الربيع العربي والذى تزامن مع طرح الحكومة الصينية مبادرة الحزام والطريق (طريق الحرير الجديد)، اتخذ ملامحًا مختلفة وسمات لم نعتد عليها من قبل، وخلال هذا المقال سنصحبكم في جولة سريعة حول الخطوات التى اتخذتها الدبلوماسية الصينية فيما يخص جيرانها في آسيا.

قبل أكثر من 2100 سنة، بعث تشانغ شيان أمبروطور إسرة هان إلى آسيا الوسطي مرتين حاملًا رسالة السلم والصداقة، وفتح باب التبادل الودي بين الصين ومختلف الدول بآسيا الوسطي، وشق طريق الحرير الذي يمتد من الشرق إلى الغرب ويربط بين أوروبا و آسيا، (حول الحكم والإدارة - شي جين بينغ – المجلد الأول ص 307)، وهكذا استمرت أفواج المبعوثين والقوافل التجارية والسياح والعلماء والحرفيين من الشرق أو الغرب تتدفق عبر طريق الحرير، وإستمرت الصين في اعتمادها على الدبلوماسية الودية منذ بدايات طريق الحرير القديم إلى تأسيسها مبادرة الحرير والطريق عام 2013، لتقدم لنا صفحات خالدة من الصداقة والتبادلات لأكثر من ألفي سنة، وأنه بالتمسك بالتضامن والثقة المتبادلة والمساواة والمنفعة المبتادلة والاستفادة المتبادلة والفوز المشترك، يمكن للدول المختلفة الأعراق والمعتقدات الدينية والخلفيات الثقافية التمتع بالسلم معا، ويعتبر ذلك إلهامًا ثمينًا قدمه لنا طريق الحرير القديم.(حول الحكم والإدارة - شي جين بينغ – المجلد الأول ص 308).

وقد اعتمدت الصين علي مبدأ "الجار القريب أفضل من ذي القربي البعيد (حول الحكم والإدارة - شي جين بينغ – المجلد الأول ص 308)، فأولت الصين اهتمامًا بالغا بتطوير علاقات الصداقة والتعاون مع دول آسيا الوسطي، بل واعتبرت هذا المبدأ من أولويات العمل الدبلوماسي الصيني، وقد ثابرت الصين على سلك طريق التنمية السلمية وانتهجت بثبات سياسة دبلوماسية مستقلة وسلمية، احترمت من خلالها "طرق التنمية والسياسات الداخلية والخارجية التى تختارها شعوب الدول المختلفة، كما لم تسعى الصين وراء زعامة في الشؤون الإقليمية، ولم تعمل على تشكيل مجال قوة لها، وبذلت جهودًا مشتركة لبناء إقليم متناغم" (حول الحكم والإدارة - شي جين بينغ – المجلد الأول ص 308).

وعملًا على تهيئة بيئة مناسية للتنمية الاقتصادية الإقليمية وتوفير مستوى معيشة مستقر للشعوب المتجاورة، فقد اهتمت الدبلوماسية الصينية بالتأييد الحازم لسيادة الدول ووحدة وسلامة الأراضي وغيرها من مبادئ المصالح المحورية الهامة بين الصين ودول آسيا الوسطي، لتخرج من كنف هذه المبادئ والمحاور العديد من منظمات التعاون الإقليمي، مثل:المجموعة الإقتصادية الأوربية الآسيوية ومنظمة شانغهاي للتعاون.

وإذا نظرنا لمنطقة جنوب شرقي آسيا (آسيان) فهى همزة وصل هامة على "طريق الحرير البحري" منذ العهود القديمة، فالصين وهذه الدول متصلة بالجبال والمياه ومرتبطة بالدم، وصادف العام الماضي الذكرى السنوية العشري يوجد لإقامة الشراكة الإستراتيجية بين الصين وآسيان.

وقد اعتمدت العلاقات بينهم على مبدأ متميز،ألا وهو"لا يوجد نموذج عالمي مناسب للتنمية في كل العالم، ولا يوجد طريق ثابت لا يتغير للتنمية، حيث تتمتع الصين وشعوب آسيا الجرأة على التغيير والابتكارلفتح آفاقًا واسعة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية." (حول الحكم والإدارة - شي جين بينغ – المجلد الأول ص 312).و قد تمسكت الصين بمبدآ آخر غاية في الأهمية، التمسك بالتعاون والفوز المشترك، حيث قال الزعيم الصيني شي جين بينغ:"عند التفكير في المصلحة ينبغي التفكير في مصالح الدنيا كلها." (حول الحكم والإدارة - شي جين بينغ – المجلد الأول ص 313).

لذا عملت الصين على توسيع إنفتاحها على آسيان على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة، وبالتالي يعود تحقيق التنمية الصينية بصورة أفضل بالخير لدول آسيان.وقد عملت الصين بالفعل على تأسيس بنك آسيوي للاستثمار في المنشأت التحتية، مع دعم الدول النامية في هذا الأقليم للاهتمام بالبنية التحتية والمنشأت الأساسية.وربما نجحت هذه المبادئ على أرض الواقع بسبب سعى الصين لدعوة دول الجوار للتخلى عن عقلية الحرب الباردة، العمل لتعزيز الأمن الشامل والأمن المشترك، والدعوة إلى مفهوم جديد للأمن التعاوني، فأمنك هو أمني وهى قاعدة أساسية مؤثرة وبشدة في دبلوماسية الصين في جنوب شرق آسيا، مثال التعاون في الكوارث وأمن الشبكات ومكافحة الجريمة العابرة للدول، لتهيئة بيئة إقليمية أكثر سلمًا وإستقرارًا.و على نفس الصعيد فقد شجعت الصين التبادلات الودية بين الشباب ومراكز الأبحاث والبرلمانات والمنظمات غير الحكومية.

هناك مثل صيني يقول: "إن البحر يصب فيه مئة نهر لأن سعته كبيرة جدًا"(حول الحكم والإدارة - شي جين بينغ – المجلد الأول ص 315)،خلال مسيرة التاريخ الطويلة، خلق الشعب الصيني وشعوب دول آسيا الوسطي ودول جنوب شرق آسيا حضارات غنية مفعمة بالتنوع، امتزجت هذه الحضارات المختلفة وتقدمت من خلال أطر دبلوماسية واضحة عززتها السياسة الصينية مؤخرًا لتصل إلى التأصير المتبادل والمنفعة المتبادلة.