إبراهيم شعبان يكتب: حسن يوسف..وداعا الفتى الذهبى للسينما المصرية
تأخرت كثيرًا في الكتابة عن رحيل الفنان القدير حسن يوسف، لكن مع ذلك فالكتابة عن فنان عظيم قاد رحلة فنية ممتعة عبر 6 عقود من الإبداع، وعاصر عمالقة الفن السينمائي المصري وتعامل معهم، صالحة في كل وقت وزمان.
بالطبع تأثرت كثيرا بوفاة حسن يوسف، ورغم أنه رحمه الله عاش عمرا مديدًا وصل 90 سنة، إلا أن بعض الفنانين والشخصيات العظيمة، تشعرك بالفقد الحقيقي حال غيابها، وحسن يوسف "الولد الشقي للسينما المصرية، أو أحد "فتيانها الذهبيين"، شخصية آثرة بكل معاني الكلمة، لم يتفلسف في أفلامه ولا في شخصياتها بل قدم ما يوصف فنيًا بالسهل الممتنع، فعندما تشاهد أعماله لا تشعر أبدا أن هذا الرجل يمثل، بل هو واحد يعيش بيننا ويتصرف بطبيعته تماما وهذه عبقرية آدائه.
عمل حسن يوسف في كل عصور السينما، وعصرها الذهبي الحقيقي في الستينيات والسبعينات من القرن العشرين، فقدم أفلاما ثقيلة وعلامات اختيرت ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية مثل" أم العروسة، وفي بيتنا رجل، وأنا حرة، والخطايا" مع فنانين عظام كانوا في مثل سنه أو أكبر منه قليلا أمثال عبد الحليم حافظ والنجم الأسطوري عمر الشريف.
كما شارك حسن يوسف في عشرات الأفلام الخفيفة، وكانت هى السمة السائدة في السبعينات من القرن الماضي أو ماعرف وقتها بأفلام النكسة ثم الانفتاح، فقدم مع ما لا يقل عن 80 فيلما في عقد السبعينيات وكان له كل عام ما لا يقل عن 8 -10 أفلام، ومنها في هذه الحقبة، "شىء من العذاب ،ورحلة حب ،وكان الحب، وولد وبنت، والشيطان والكدابين الثلاثة ،والشياطين في اجازة، والسلم الخلفي، والحب والفلوس، ونساء ضائعات، والجبان والحب، والقطط السمان، ونساء الليل" وغيرها العشرات.
ورغم أن البعض، ظل حتى وقت قريب يهاجم حسن يوسف على مثل هذه الأفلام الخفيفة، وبعضها وصفها بأنها أفلام المايوهات والعري، لكنها كانت موجة سائدة في السينما المصرية آنذاك، لم يوجدها حسن يوسف لنفسه ولكنه تواجد في قلبها نجما، حققت كثير من أفلامها وقتها نجاحا جماهيريا ساحقا وأسعدت الناس.
وغني عن الفلسفة والتبرير، فالسينما لا يمكن أن تكون كلها أفلاما جادة أو أفلام مهرجانات، وبالطبع ليس مطلوبا أيضا ان تكون كلها أعمالا خفيفة.
وحسن يوسف استطاع إحداث هذا التوازن، وظهر في أفلام لنجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس منها "خان الخليلي، وزقاق المدق، وفي بيتنا رجل" وغيرها.
حسن يوسف، هو أحد فناني العصر الذهبي وسواء اختلفت مع أفلامه الخفيفة والشبابية في عصره أو اعجبت بها كحال الكثيرين اليوم، بعد عشرات السنين من إنتاجها،والإحساس بالفرحة والمتعة عند مشاهدة فيلم لحسن يوسف وشمس البارودي أو لأي منهما. فإن حسن يوسف سيبقى فنانا كبيرا بمعنى الكلمة، قدم عشرات الأدوار المتنوعة، وكانت أفلامه جماهيرية وعلامة مميزة للنجاح، علاوة على قدرته على التألق بعدها في أعمال ومسلسلات تلفزيونية ذائعة الصيت نذكر منها "زينب والعرش"، والجزء الخامس من مسلسل "محمد رسول الله"، والجزء الأول والثاني لملحمة "ليالي الحلمية "،ومسلسله الأسطوري" إمام الدعاة "عن حياة الشيخ الشعراوي، و"النسائي"، و"ابن ماجه"، و"الإمام المراغي"، واشتراكه في مسلسل الأطفال الشهير "بوجي وطمطم".
حسن يوسف تاريخ فني، وفتى ذهبي في أزهى عصور السينما المصرية التي قدمت كل أنواع الدراما والكوميدي وكانت تنتج في العام الواحد ما لا يقل عن 70-80 فيلم، ترك بصمة بأفلامه الخفيفة وأعماله الشبابية الممتعة. كما أن أفلامه مع زوجته الفنانة الكبيرة شمس البارودي، متعة فنية حقيقية لمن يعشق السينما وليس المعقد منها.
وإذا لم يكن من حسن حظي، أن التقيت حسن يوسف في حياته رحمه الله، ربما لقلة أعماله في العشر سنوات الأخيرة، إلا أني كنت محظوظا وشاهدا على تفاعل جماهير الترسو والسينما الشعبية الحقيقية مع أفلام حسن يوسف في تسعينيات القرن الماضي، وقتما كنا في مرحلة الشباب والمراهقة، فكانت هذه الافلام ورغم مرور سنوات على انتاجها آنذاك، بابا مضمونا للشباك والأكثر جذبا لجمهور الترسو، ببساطتها وضحكاتها ومشاهدها المميزة ونجماتها العابرات للزمن سعاد حسن ،وشمس البارودي، وميرفت أمين، وناهد شريف، وسهير رمزي ونجمات سبعينيات القرن الماضي.
حسن يوسف فنان يستحق التكريم، وما قدمه من فن ممتع سيظل حيا لعشرات السنين.. فالفنان الحقيقي لا يموت بل تظل أعماله مذاعة وموجودة، سواء الجادة منها أو الخفيفة والشبابية.