إبراهيم العجمي يكتب: عودة مياه النيل لسيناء بين الدلالة الرمزية والبعد الاستراتيجى للأمن القومي المصري

بعد انقطاع دام آلاف السنين، تحولت سيناء إلى شبه جزيرة صحراوية قاحلة، لكنني تابعت بفخر وصول مياه النيل أخيرًا، حاملةً معها أحلام الإعمار والتنمية لتلك البقعة الغالية في تاريخ مصر.
فمنذ اختفاء بعض أفرع نهر النيل السبعة القديمة، التي كان أحدها يُعرف بـ"البيلوزي" ويصل إلى شمال غرب سيناء، لم تصل مياه النهر إلى هذه المنطقة.
إن التوسع في تنمية سيناء ضرورة حتمية، نظرًا لدلالتها الدينية والجغرافية والاقتصادية والسياسية في وجدان الشعب المصري، لا سيما في ظل التحديات الراهنة في المنطقة، وعلى رأسها مخططات تهجير الشعب الفلسطيني، التي لم تعد سرية، بل خرجت من الغرف المغلقة لمحاولة فرضها كأمر واقع.
ومن هنا، تدرك القيادة السياسية المصرية أهمية إعمار سيناء، ليس فقط كجزء من التنمية، ولكن أيضًا كخطوة استراتيجية لتعزيز الأمن القومي المصري.
يُعد وصول مياه النيل إلى سيناء واحدًا من أهم الإنجازات التنموية والأمنية في مصر، إذ يمثل هذا المشروع العملاق خطوة هامة في دمج سيناء في عملية التنمية الشاملة للدولة.
فقد تم إنشاء أنفاق لتمرير مياه النيل أسفل قناة السويس شرق بورسعيد، لتتدفق عبر ترعة السلام (الشيخ جابر) وصولًا إلى بئر العبد في شمال سيناء. كما أنفقت الدولة 56 مليار جنيه على تحديث شبكة الطرق في جميع أنحاء سيناء لاستيعاب مشروعات التنمية المتسارعة. وامتدت جهود التطوير إلى دعم أهالي سيناء ومدن القناة من خلال إيصال خطوط الغاز الطبيعي، إضافة إلى افتتاح محطة بحر البقر لمعالجة مياه الصرف الزراعي، التي تُعد واحدة من أكبر المحطات في العالم، حيث تعمل بطاقة تصل إلى 5.6 مليون متر مكعب يوميًا، وبتكلفة استثمارية بلغت 1.2 مليار دولار في عام 2021.
تمثل محطة بحر البقر إحدى الركائز الأساسية في استراتيجية التنمية، حيث يُعد مصرف بحر البقر من أطول المصارف في العالم، إذ يمتد طوله إلى حوالي 207 كيلومترات، مارًا بست محافظات، هي القليوبية، والشرقية، والدقهلية، والإسماعيلية، وبورسعيد، وشمال سيناء، وصولًا إلى بحيرة المنزلة ثم شمال سيناء.
يحمل اسم محطة بحر البقر دلالة تاريخية عميقة، إذ يذكرنا بمجزرة الاحتلال الإسرائيلي الغاشم عندما قصف مدرسة بحر البقر في أبريل 1970، ما أسفر عن استشهاد 30 طفلًا مصريًا. تم بناء المحطة خلال عامين فقط بين عامي 2019 و2021، وهي إنجاز بيئي وزراعي ريادي، حيث تتألف من مجموعة من المشروعات الداعمة، من بينها إنشاء سبعة كباري، وست سحارات تحت قناة السويس، فضلًا عن تنفيذ قنوات ومحطات رفع مياه، وشبكة طرق وجسور، ومحطات كهرباء، ومشروعات استصلاح أراضٍ وأنظمة ري حديثة، وهو ما جعل البنية التحتية لمشروع ترعة السلام مكتملة.
لم يتبقَ سوى استكمال التوسع في الزراعة، حيث تمت زراعة 75 ألف فدان فقط من إجمالي المستهدف البالغ 450 ألف فدان.
ورغم بعض التحديات الإدارية والفنية، مثل توزيع الأراضي وزيادة ملوحة التربة، فإن الإرادة السياسية والرؤية التنموية قادرة على إيجاد الحلول المناسبة لاستكمال المشروع وتحقيق أقصى استفادة منه.
ختامًا، تحية إجلال وتقدير للعقول التي تدير المعركة على جميع الجبهات، سواء السياسية أو الدبلوماسية، مع إبقاء الخيار العسكري دائمًا في حالة استعداد، تزامنًا مع جهود إعمار سيناء بسواعد المصريين. فهذه المعركة التنموية لا تقل أهمية عن المعارك التي خاضتها مصر سابقًا للحفاظ على أمنها القومي، بل هي جزء لا يتجزأ من استراتيجيتها الشاملة.