الموجز اليوم

قامت مصرية..

المستشار رجاء العربى ..قاضى بحجم الوطن

المستشار رجاء العربي
المستشار رجاء العربي

في سجل العدالة المصرية، هناك أسماء لا تمحى، تركت بصماتها في ساحات القضاء وأروقة النيابة العامة، وظلت نموذجًا للصرامة والنزاهة في تحقيق العدالة.. من بين هذه القامات الرفيعة، يبرز اسم المستشار رجاء العربي، النائب العام الراحل، الذي ارتبط اسمه بالعدل والحق، وكان رمزًا للقاضي الجليل الذي لا يخشى في الحق لومة لائم.

ولد المستشار رجاء العربي عام 1935، وتخرج في كلية الحقوق، ليلتحق بالسلك القضائي، حيث تدرج في المناصب حتى أصبح نائبًا عامًا لدورتين متتاليتين. وخلال فترة توليه منصبه، شهدت مصر العديد من القضايا المهمة والمثيرة للجدل، وكان له دور بارز في الإشراف على التحقيقات الخاصة بالقضايا الاقتصادية، وعلى رأسها قضايا توظيف الأموال، حيث أصدر قرارًا بالتحفظ على أموال شركات الريان والسعد وعدد من شركات توظيف الأموال لحماية حقوق المودعين.

تميز المستشار رجاء العربي بحزمه في تطبيق القانون، وكان له دور محوري في التصدي لعدد من القضايا الكبرى، منها:

قضية نواب القروض: إحدى أشهر قضايا الفساد في التسعينيات، حيث تم التحقيق مع عدد من أعضاء مجلس الشعب الذين حصلوا على قروض ضخمة دون ضمانات كافية، مما أدى إلى اتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد المتورطين.

قضية لوسي أرتين: وهي من القضايا التي هزت الرأي العام، حيث كشفت عن تدخلات غير مشروعة في أحكام قضائية، وشهدت محاكمات شملت شخصيات نافذة، مما عزز ثقة المجتمع في نزاهة القضاء.

قضايا توظيف الأموال: كان المستشار العربي مشرفًا على التحقيقات في هذه القضايا التي شملت شركات الريان، الشريف، والسعد، حيث قرر التحفظ على أموال هذه الشركات لحماية المودعين، في خطوة استهدفت وضع حد للتلاعب بأموال المواطنين.

إلى جانب عمله القضائي، كان للمستشار رجاء العربي دور بارز في مكافحة وعلاج الإدمان، حيث تم ضمه في 4 فبراير 1993 إلى عضوية المجلس القومي لمكافحة وعلاج الإدمان، وهو ما يعكس اهتمامه بالقضايا المجتمعية إلى جانب دوره في تحقيق العدالة.

لم يكن المستشار رجاء العربي مجرد رجل قانون يطبق النصوص، بل كان يستلهم روح العدالة في كل قراراته. فقد عُرف بمواقفه الحاسمة في القضايا الكبرى، ولم يتردد في التصدي للفساد والجريمة، رغم الضغوط التي قد يواجهها. كان صوته دائمًا صوت الحق، لا يساوم ولا يتهاون في تطبيق القانون.

وفي وقت كان فيه البعض يحاول الالتفاف على القانون، كان العربي بمثابة صخرة تتحطم عليها كل المحاولات، مما أكسبه احترام زملائه، ووقار الناس، وثقة الدولة.

قد يرحل الرجال، لكن أثرهم يبقى خالدًا. هكذا كان المستشار رجاء العربي، الذي بقيت مبادئه راسخة في وجدان كل من عمل معه أو تتلمذ على يديه. فقد كان مدرسة في النزاهة والانضباط، ورمزًا لرجل الدولة الذي يؤدي واجبه بإخلاص دون سعي إلى مجد شخصي أو شهرة زائفة.

اليوم، ونحن نستذكر هذه القامة القضائية الرفيعة، لا نملك إلا أن نقف احترامًا وإجلالًا لمسيرته الحافلة بالعطاء، ونتمنى أن تستلهم الأجيال الجديدة من رجال القضاء نهجه في تحقيق العدل دون خوف أو مجاملة.

رحم الله المستشار رجاء العربي، وألهم مصر دائمًا رجالًا يحملون مشعل العدالة بنفس الإخلاص والنزاهة.